نقد فكرة الحب المطلق



بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم باحسان من السلف المطهرين والفرقة الناجية الميامين الى يوم الدين أما بعد:

فقد انتشرت ظاهرة الانتحار بسبب قصص الحب وتحديدًا قبل الزواج سواء كانت في إطار شرعي "شكليّا" كالخطوبة مثلًا، أو إطار غير شرعي كالعلاقات المحرمة:

ولست بصدد مناقشة فكرة أن العلاقات هذه غير شرعية وثم بناء مضامين إيمانية بأن الله لن يوفق وحسب، لأن هذا أمر يفترض أن يكون مُسلّم أصلًا، مع العلم أننا نرى اليوم من ينزل مضامين شرعية على العلاقات غير الشرعية، كالدعاء للحبيب ودعاء الله أن يحفظ العلاقة الغير شرعية وحمد الله أن أحد الطرفين لا يخون مثلًأ!

إنما بصدد مناقشة الحب كشعور وكمفهوم، الحب قبل الزواج عند المراهق ومن لف لفه والمراهق هنا كوصفها حالة فكرية وشعورية مستحدثة وليست فطرية يكون فيها الحب هو الميل القلبي الشعوري اللحظي المبني على الانبهار الأولي بالطرف الآخر ولنقل الفتاة كمثال (بما أنني أنا شاب)، وهذا النوع من الحب هو بالتعريف by definition يمكننا أن نفهم أنه غير مضمون لأن الإنسان ببساطة لا يتحكم بكل ميولاته القلبية، بل يتحكم بها وتتحكم به، فهو يتحكم بها من جهة أنه يحافظ على أسباب الميل القلبي من خلال استخدام العقل في توفير ظروف تبقي الميل القلبي حاضرًأ، وبالطبع هذا قد يكون ضعيف، لماذا؟ لأنك مهما اجتهدت لتوفير تلك الظروف فأنت لا تتحكم بكل الظروف المحيطة، ببساطة قد تأتي فتاة أخرى لمحيطك فتجد الميل القلبي لها، وبما أن الإرادة تابعة لميل القلب وليس العكس فإنك ستجد إرادتك متوجهة لتسويغ الانتقال لعلاقة متوفرة مع هذه الفتاة ومن ثم ستبحث عن تسويغ أخلاقي لفعلتك من خلال تذكر أن أصل العلاقة أصلًأ كله غير شرعي وليس فيه ضمانات ومن ثم ستحاول إعادة تعريف العلاقة بشكل إختزالي كأن تقول للفتاة "نحن فقط كنا في فترة تعارف" ويبدو أن شخصياتنا غير متوافقة ومن مصلحتي ومصلحتك أن نبعتد، ببساطة ستتحول من شخص تحبه إلى عبئ ممل وغير مثير للاهتمام.

وهذا الأمر قد يحصل بين ليلة وضحاها إذ علاقة الحب هذه كلها معلقة على الإرادة الحرة للطرف الآخر فقط لا غير، لا يوجد أي ضمانات اجتماعية أو شرعية أبدًأ، هي مستنقع قذر ومستباح لكل أشكال الخيانة والانسحابات المفاجئة وطبعا أقصد بالخيانة هنا هي خيانة وعود البقاء التي تم بناء عليها تسويغ كثير من التنازلات من قبل الفتاة مثلًأ التي قد تبدأ من مقدمات الزنا إلى ما بعد ذلك والعياذ بالله.

والمشكلة أن هذا الجيل لا يدرك هذا الأمر بواقعية بل يتأثر بالمدخلات التي تدخل إلى وعيه من المسلسلات كمفهوم الحب العذري الذي ينهار حرفيّا مع أوائل اللقائات الفردية بينك وبين من تحب لوجود داعي الشهوة بينكم ولا بد، وإلا فلن يوجد داعي الحب قبلها بسبب مشكلة في الهرمونات والميول، وكما ذكرنا فإن الميول تتبعها التسويغات سواء العقلانية أو الشرعية أو محاولة إطفاء الضمير في لحظات الضعف أساسًا (وهذه تحصل للرجال بصورة أكبر، حيث يشعر بتعطل الوعي العقلاني أساسًا حيال المعصية تلك) ولا يستفيق لنفسه إلا بعد الانتهاء.

والمشكلة أن هذه التجربة قبل الزواج مع الشخص الذي تحبه سيعمق هذا الاحتياج وسيجعلك مستعبد له، وإذا كان هو لم يحصل نفس الدرجة من التعلق والحاجة فإنك ليس بينك وبينه ضمانات فقد يتركك وأنت في أشد درحات إدمانك، وبهذا أنت ستقع إما بدوامة العلاقات المحرمة بعدها للتعويض أو بداية التفكير بالانتحار لشعورك بالطعنة المبنية على تعظيمك جدا لمشاعرك تجاهه بسبب بعض المواقف وكذلك التجارب الجنسية والوعود وكل هذا سينمي عندك دوامة من الاحتياج العاطفي والجسدي لهذا الشخص الذي قد تعتاد عليه لفترة طويلة بل وقد تبني ثقتك بنفسك كلها ومستقبلك عليه.

هذا واقع الأمر، المسلسلات تصور لك أولًأ سهولة الدخول والخروج من العلاقات، وسهولة الاستبدال، وكذلك تصور لك توفر الحب الأبدي، مع أن هذا النوع من الحب هو أندر من الكبريت الأحمر هذا إن وجد وإلا فهو مفهوم نظري بحت، لا يمكنك أبدًا أن تضمن أن الطرف الآخر هو من هذه النوعية، بل أنت مخدوع بالضرورة لأن أي إنسان عندما تتعرف عليه سيريك وجهه الجيد والسيء ستتعرف عليه بعد فوات الأوان.

لذلك الحب قبل الزواج هو مجازفة ومخاطرة كبيرة، وإذا كنت هش بالدرجة الكافية فستغزوك الأفكار الانتحارية.

وأقول هنا إن الخطوبة اليوم التي تبيح الخلوة والاختلاط الكبير مع المخطوبة مع سهولة فسخ الخطوبة ولو انها اصعب بقليل من سهولة فسخ الارتباط الغير شرعي فهي ايضا اصبحت تتضمن نفس المشاكل المذكورة أعلاه.

وللمعلومية، فقد تكون قصة حبك مع الطرف الآخر هذه التي حصلت فجاة بدون أي ضمانات ما هي إلا أعراض لمشاكل نفسية هو يعانيها كالنرجسية أو محاولة لنسيان شخص قبلك أو غيرها.

فبالله عليك ما الذي يحيجك أصلًأ للدخول في هذه الدوامة والمستنقع، ومن ثم لو دخلته لن تخرج منه وأنت مازلت تحمل نفس هذه الأفكار المثالية عنه فضلًا عن اعتقادك بأنه مباح أصلًأ وأن الشر الناجم عنه ليس سوى شر مجاني مترتب على شيء مباح وليس شر مترتب على معصية لو رافقته التوبة لكان تطهيرًا لك في الدنيا دون الآخرة إن شاء الله.

بينما الحب بعد الزواج يكون مبني على فكرة المسؤولية وأنه حب مفاهيمي وليس فقط شعوري بحت مبني على الحاجة الشعورية "التي تكون عند الشخص في حال عزوبيته"، إنما هي حب مبني على مسؤولية تجاه صرح العلاقة بالكلية وتجاه الأبناء وغيره ويكون الطلاق فيها أمر بغيض للنفس جدّا ودواعي الصبر ومحاولة الإصلاح أكبر بكثير وهذا كله مبني أساسا على التوفيق والمودة والرحمة التي تحصل بين الزوجين فيما لا يكون أبدًا في أي نوعية من العلاقات غير هذه.

هذا والله أعلم.

#الغيث_الشامي


إرسال تعليق