التشابه بين الفلاسفة الباطنية والإنسانوية المتسامحة المعاصرة

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية واصفًا نظرة الفلاسفة الإسلاميين في عصره للعبادات والأخبار الغيبية.

"والعبادات كلّها عندهم مقصودها تهذيب الأخلاق. والشريعة سياسة مدنيّة. والعلم الذي يدّعون الوصول إليه لا حقيقة لمعلومه في الخارج.

والله أرسل رسوله بالإسلام والإيمان بعبادة الله وحده، وتصديق الرّسول فيما أخبر؛ فالأعمال عبادة الله، والعلوم تصديق الرّسول. "

- النبوات

___

قلت: فالدين كله إما خبر أو أمر، فطاعة الله في الخبر تصديقه، وطاعته في الأمر الامتثال له.

وأما مسلك الفلاسفة فهو حمل الخبر على أنه لغز أو مجاز لمعنى عقلي محض في قالب وصف حسي للتقريب لأذهان عامة الناس وغوغائهم، والأمر سياستهم فيما لا يقدرون هم على سياسة أنفسهم دونه بخلاف الفلاسفة الخواص فإن لهم درجة على الناس!.

لكن ليس هذا موطن الشاهد، إنما الشاهد أن في هذا العصر هناك نوعٌ من الإنسانوية يمكنك أن تطلق عليها "الإنسانوية المتسامحة"، وهذه الإنسانوية لها موقف يرى أن وجود الأديان ضروري ومفيد للمجتمع قيميّا:

فهو دافع للفرد والجماعة على أن يمتثل للأخلاق، لكن بشرط أن تكون تلك الأخلاق موافقة للقيم الإنسانوية، وأما ما يخالفها فيتم تعطيله أو تأويله وإن كان عصيّا على ذلك فيتم إقصاء أهله خارج المجتمع وتشويههم.

فالمصدر الأصلي للقيم عنده هو المشترك الإنساني، الذي فيه قدر كبير هو مشترك بين الأديان أصلًأ، وثم إزالة ما خرج عن هذا المشترك، فهو أشبه بخدعة لأهل الأديان، إذ ستصير إنسانويّا في صورة متدين.

وأما بالنسبة للأخبار الغيبية فموقفها، أن الإنسان من حقه أن يعيش "تجربة" اعتقاد معتقدات دينه كتجربة فردية، بل وتجربة "اعتقاد" أنها مطابقة للواقع، لكن دون تطبيق ذلك عمليّا أو إدخاله للمعمل، فالأمر هو تجربة شعورية محضة، إن لم يكن بإمكانك تأويل هذه النصوص لموافقة العلم، فاحملها على أنها قصص لها عبرة شعورية أو قيلت لكي تُعاش تجربة شعورية ما أثناء قرائتها، لكن مع العلم بأن العلم هو الذي يصف الواقع بالنهاية.

لذلك هؤلاء يقولون التعارض بين العلم والدين مستحيل، إذ الحقل الذي يتكلم فيه الدين مخالفٌ تمامًا للحقل الذي يتكلم فيه العلم.

فالعلم مسؤول عن وصف الموجودات والحقائق الخارجية

والدين مسؤول عن وصف الحقائق الروحية (القيم والمشاعر)، وهم يجعلون الإله نفسه حقيقة روحية وتجربة شعورية، وهذا بدأ يظهر جليا مع تيار العصر الجديد التصوفي، فتراهم يقولون "الله في قلبك"، تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرًا.

فهؤلاء يخلصون إلى شيء شبيه جدا بما جاء به فلاسفة القرون الوسطى من الباطنية الملاحدة المنتسبين زورًا وبهتانًا إلى الإسلام.

هذا والله أعلم

#الغيث_الشامي

#الإنسانوية

إرسال تعليق