وقفت على كلام أحد الباحثين يقول فيه أننا بالغنا بالحديث عن الهشاشة النفسية وهذا فيه تدعيم لوصمة العار على المريض النفسي بينما نحن في أمس الحالة لرفعها أصلًا في مجتمع يتهم المريض النفسي بالجنون.
وأننا في ظل ظروف طبيعي جدّا أن يعاني الناس فيها من هشاشة نفسية وأمراض نفسية وأن الحديث عن الهشاشة النفسية في وقت كهذا هو استيراد لمشاكل الغرب إلى مكان غير مناسب لها.
وفي حقيقة الأمر أرى أن هذا الكلام فيه صحة من جوانب وفيه كذلك إغفال لمشكلة حقيقية أيضًا من جانب.
الهشاشة النفسية التي نتحدث عنها ليست تجاه الأمراض النفسية، إنما تجاه التعامل معها، بمعنى أننا نعترف بمنطقية أن يصاب الشخص بكرب بعد الفقد أو المصائب، لكن الهشاشة النفسية تكمن في التعامل مع هذه المصائب.
بالحقيقة من يظن أن الشخص من الطبيعي أن يكفر عندما يصاب بمصيبة وأن حديثنا عن الهشاشة النفسية في هذه الحالة وعدم علاجها بالعلاج المعرفي السلوكي الديني ثم السايكولوجي، هو كلام علماني بامتياز ولو ظهر بمظهر التمنصف.
هناك هشاشة نفسية حقيقية مستوردة من الغرب من جهة سوء التعامل مع المصائب، وجحد المصائب وكره الأقدار، لم يكن مشهورًا بين المسلمين قديمًا ولم يكن يبرر له بمثل هذه التبريرات مع وجود حروب ومجاعات.
ونحن لا نهتم لظاهرة الهشاشة النفسية من نفس الجهة التي يهتم بها الغرب إنما نرصد تأثيرها على عالمنا الإسلامي بخصوص، فنحن لا نشك أن الإعلام والآيديولوجيا الغربية والدهرية استطاعت بث الكثير من الافكار الخاطئة بين الناس عن "المثالية - حقوق الإنسان - الخير والشر - الإله بصورته عند النصارى" بعثت روح جديدة في مشكلة الشر عند الناس لم تكن معروفة عند المسلمين كما هو الحال عند أهل الديانات الأخرى.
ومن ينكر علاقة فكرة اليأس الاستشفائي والتقبل والتعامل مع الأقدار والشعور بضعف المخلوقية وقوة المعية بالقوة النفسية والعلاج النفسي فهذا مكابر.
نحن لا نزيد وصمة العار بكلامنا عن الهشاشة النفسية، فكلامنا موجه للوقاية وللعلاج على حد سواء ولسنا نقول للمريض النفسي أنت لديك هشاشة نفسية، إنما نقول لمن دفعه مرضه النفسي للكفر أنك لديك هشاشة نفسية في التعامل مع علاقتك مع الله سبحانه وتعالى وهذا ناتج عن سوء تصور عنها أصلًا، وكذلك نعالج سوء التصور هذا عند السليم منها حتى لا تكون بيئة خصبة للسلوكيات المدمرة لاحقًا التي يمكن أن تنشط بعد المرض النفسي أو تسببه.
فالمؤمن قد يصاب بمرض نفسي عضوي، لكن إيمانه يضاد هذه الأمراض ويقويه على تحملها وعلى طلب العلاج الصحيح من مكانه الصحيح ويعطيه الدافع نحو تصحيح سلوكه وأفكاره وبالتالي مشاعره.
#الغيث_الشامي