كيف رد شيخ الإسلام رحمه الله على شبهة باردة يرددها بعض المعاصرين وهي "لا نثبت الحد لأنه لم يرد في الكتاب والسنة" ولا نثبت من الألفاظ إلا ما ورد في الكتاب والسنة!
يقول الخطابي الأشعري:
"لايجوز أن يعتمد في الصفات إلا الأحاديث المشهورة التي قد ثبتت صحة أسانيدها ناقليها فإن قومًا من أهل الحديث قد تعلقوا منها بألفاظ لا تصح من طريق السند وإنما هي من رواية المفاريد والشواذ فجعلوها أصلاً في الصفات" ... "إلى أن قال
وزعم بعضهم أنه جائز أن يقال إن له تعالى حدًّا لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي فيقال له إنما أحوجنا إلى أن نقول يد لا كالأيدي لأن اليد قد جاء ذكرها في القرآن وفي السنة فلزم قبولها ولم يجز ردها فأين ذكر الحد في الكتاب والسنة حتى نقول حد لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي" انتهى كلامه (1)
فيرد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعدة ردود منها:
● "إنما يتوجه لو قالوا إن له صفة هي الحد كما توهمه هذا الراد عليهم وهذا لم يقله أحد ولا يقوله عاقل فإن هذا الكلام لا حقيقة له إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات كما يوصف باليد والعلم صفة معينة يقال لها الحد وإنماالحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره كما هو المعروف من لفظ الحد في الموجودات"(2)
● قوله سبيل هؤلاء أن يعلموا أن صفات الله تعالى لا تؤخذ إلا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قول أحد من الناس فيقولون له لو وفيت أنت ومن اتبعته باتباع هذه السبيل لم تحوجنا نحن وأئمتنا إلى نفي بدعكم بل تركتم موجب الكتاب والسنة في النفي والإثبات أما في النفي فنفيتم عن الله أشياء لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا إمام من أئمة المسلمين بل والعقل لايقضي بذلك عند التحقيق وقلتم إن العقل نفاها فخالفتم الشريعة بالبدعة والمناقضة المعنوية وخالفتم العقول الصريحة" (3)
● "وأنكرتم على أئمة الدين ردهم لبدعة ابتدعها الجهمية مضمونها إنكار وجود الرب تعالى وثبوت حقيقته وعبروا عن ذلك بعبارة فأثبتوا تلك العبارة ليبينوا ثبوت المعنى الذي نفاه أولئك فأين في الكتاب والسنة أنه يحرم رد الباطل بعبارة مطابقة له فإن هذا اللفظ لم نثبت به صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة بل بينا به ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته لخلقه وثبوت حقيقته ويقولون لهم قد دل الكتاب والسنة على معنى ذلك كما تقدم احتجاج الإمام أحمد لذلك" (4)
● "فإن القرآن يدل على المعنى تارة بالمطابقة وتارة بالتضمن وتارة بالالتزام وهذا المعنى يدل عليه القرآن تضمنًا أو التزامًا ولم يقل أحد من أئمة السنة إن السني هو الذي لا يتكلم إلا بالألفاظ الواردة التي لايفهم معناها بل من فهم معاني النصوص فهو أحق بالسنة ممن لم يفهمها ومن دفع ما يقوله المبطلون مما يعارض تلك المعاني وبين أن معاني النصوص تستلزم نفي تلك الأمور المعارضة لها فهو أحق بالسنة من غيره وهذه نكت لها بَسْط له موضع آخر" (5)
هذا كلام شيخ الإسلام وملخص الرد:
● الحد ليس صفة أصلا إنما هو معنى من ذاتيات معنى العلو بحيث أنك تتناقض لو قلت الله فوق العالم بلا انفصال كقولك بحر لا ماء فيه وعليم بعلم حقيقي لكن ليس موجودا!
● لو كانت قاعدة عدم جواز الإخبار عن الله بأي لفظ لم يرد في الكتاب والسنة صحيحة فالمتكلمين أولى بمخالفتها لأنهم ينفون ما لم يرد.
● أنتم تنكرون على من هم أعلم منكم في أصول الدين وقواعده وهم أئمة الدين المتفق على إمامتهم كالإمام أحمد وعبد الله بن المبارك وغيرهما، ولو أنكم سكتم عن بدعكم لما تكلموا بما تكلموا به أصلا.
● لا يوجد دليل شرعي واحد على أن الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخبر عن الله بها! وليس من علامات السني ذلك أصلا
بل من علامات السني أن يستخدمها من قبيل التفسير لما جاء في القران والسنة لرد بدع المبتدعة كما أن من علامات السني قوله "القرآن غير مخلوق" وأنه لا يجبن في ذلك ولا يسكت.
هذا والله أعلم
#الغيث_الشامي
--
(1) الرسالة الناصحة للخطابي
(2) بيان تلبيس الجهمية (3/42)
(3) بيان تلبيس الجهمية (3/44)
(4) بيان تلبيس الجهمية (3/47)
(5) بيان تلبيس الجهمية (3/48)