يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وهذا القدر الذي أثبته (أي شمس الدين الأصبهاني الأشعري) من كونه متكلما أمرًا ناهيًا أمر لا ينازعه فيه معتزلي، بل ولا متفلسف إلهي يقر بالنبوات في الجملة، كما يقر بها المتفلسفة الذين حقيقة أمرهم أنهم يؤمنون ببعض صفاتها ويكفرون ببعض، كما أن اليهود والنصارى يؤمنون ببعض الرسل ويكفرون ببعض.
ولقائل أن يقول: إن هذا السؤال ليس لازما له في مسألة «الكلام»، بل وفي سائر المسائل، فإنه لم يثبت شيئا من الصفات القائمة بنفسه، وإنما أثبت أحكام الصفات وأثبت الأسماء، والمعتزلة توافق على الأسماء والأحكام، بل والفلاسفة أيضا توافق على إطلاق ما ذكره من الأسماء والصفات؛ فلا يكون في هذا الاعتقاد فرق بين مذهب الصفاتية أهل الإثبات -كابن كلاب والأشعري وأتباعهما- ولا بين المعتزلة -كأبي علي وأبي هاشم وأبي الحسين البصري وأمثالهم- بل هذا الاعتقاد مشترك بين المعتزلة والأشعرية وغيرهم من الطوائف.
ولهذا كان أصحاب هذا المصنف مع انتسابهم إلى الأشعري، إنما هم في باب الصفات مقرون بما تقر به المعتزلة، لا يقرون بما تقر به الأشعرية (أي المتقدمين) من الزيادات، وبحوث أبي عبد الله بن الخطيب تعطيهم ذلك؛ فإن الوقف والحيرة ظاهر على كلامه في إثبات الصفات، ومسألة «الرؤية» و «الكلام» وأمثالهما، بخلاف مسائل «القدر»، فإنه جازم فيها بمخالفة المعتزلة (موافقةً للجهم ومذهبه أبعد عن الحق كما قرر شيخ الإسلام في غير موضع)." انتهى كلامه
- شرح الأصبهانية، تحقيق عبد الله السليمان آل غيهب (597 - 598)
بل مع إقرار شيخ الإسلام أن بعض متأخري الأشاعرة زادوا في الإثبات على ما أثبته الأصبهاني والرازي وأصحابهم في مسألة الكلام، إلا أنه قرر أن خلافهم مع المعتزلة فيما صرحوا به من الإثبات لفظي
حيث قال:
"إن الرجل (أي الرازي) قد أقر أنه لا نزاع بينهم وبين المعتزلة من جهة المعنى في خلق الكلام بالمعنى الذي يقوله المعتزلة، وإنما النزاع لفظي حيث إن المعتزلة سمت ذلك المخلوق كلام الله وهم لم يسموه كلام الله، ومن المعلوم بالاضطرار أن الجهمية من المعتزلة وغيرهم لما ابتدعت القول بأن القرآن مخلوق أو بأن كلام الله مخلوق أنكر ذلك عليهم سلف الأمة وأئمتها وقالوا القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، فلو كان ما وصفته المعتزلة بأنه مخلوق هو مخلوق عندهم أيضا وإنما خالفوهم في تسمية كلام الله أو في إطلاق اللفظ لم تحصل هذه المخالفة العظيمة والتكفير العظيم بمجرد نزاع لفظي كما قال هو إن الأمر في ذلك يسير وليس هو مما يستحق الإطناب لأنه بحث لغوي وليس هو من الأمور المعقولة المعنوية"
انتهى كلامه
- الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 495)
بل ومن الأشاعرة من اعترف بذلك مثل البوطي في كتابه ((كبرى اليقينات الكونية)) ص 126 في حديثه عن صفة الكلام حين قال:
اذا تأملت فيما ذكرناه أدركت النقطة الخلافية بين المعتزلة وأهل السنة والجماعة- ويعني بأهل السنة والجماعة-الأشاعرة,وهي أن هناك معنى الألفاظ القرأن يتكون فيه الأمر والنهي والأخبار المتوجه الى الناس,وهو قديم.فما اسم هذا المعنى؟ المعتزلة: اسمه العلم اذاا كان أخبارآ، والارادة اذا كان أمرآ ونهيآ. والجمهور: اسمه الكلام النفسي,وهو صفة زائدة على كل من العلم والارادة قائم بذاته تعالى. وأما الكلام الذي هو اللفظ, فاتفقوا على أنه مخلوق ,وعلى أنه غير قائم بذاته سبحانه"
ولي مقال سابق بعنوان: "ذكر ابن تيمية موافقة متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم للمعتزلة"
في نقل المزيد من موافقاتهم للمعتزلة في قضايا مفصلية في الاعتقاد
سأضع رابطه في أول تعليق
#الأشاعرة
#الغيث_الشامي