عندما تصبح المشاعر المرهفة مدمرة للأخلاق!

2 وقت القراءة


تسمع كثيرًا من المتأثرين بالخطاب الإنسانوي أو الخطاب العلماني من المنتسبين للإسلام يكثرون الاستشهاد بحديث استفتِ قلبك.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553).

وحقيقة الأمر أن استشهادهم بهذا الحديث هو سوء تصور للحديث وللأخلاق نفسها!

قال ابن القيم رحمه الله :

"لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه ، وحاك في صدره من قبوله ، وتردد فيها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك)  .

حقيقة الأمر أن الحديث مبني على أن هناك فطرة في الإنسان وهناك استقراء ضمني يحصل للإنسان لا شعوريّا لمقاصد الشريعة ويتفاوت فيه الناس، والكلام هنا عن المقلد تحديدًا، فإن أفتاك أحدهم بفتوى شعرت أنها تخالف ما تعرفه عادةً من أحكام الدين أو تنفر منها فطرتك أو تستحي أن يراك الناس وأن تفعل موجب الفتوى (في حال كنت تعيش في مجتمع يطبق الإسلام فعلًا) فعليك أن تراجع تلك الفتوى وتنظر في الأدلة الشرعية وتحاول أن تتيقن مرة أخرى.

والقلب هنا لا يقصد به العواطف المحضة إنما يقصد به الجانب العقلاني من النفس الذي تظهر آثاره على العواطف بلا شك، لكن الكلام ليس عن الجانب العاطفي الذاتي المحض!

ولا على أن قلبك هو من سيعطيك الإجابة النهائيى، إنما قلبك هنا سيدفعك للبحث أكثر إن لم يطمئن لتلك الفتوى.

ماذا عن موضوع المقال الرئيسي ؟

مذهب مدمر للقواعد الأخلاقية! .. 

بعض المذاهب المعادية لوجود قواعد أخلاقية تشريعية ملزمة مثل الغلاة من مذهب الإنفعالية العاطفية في فلسفة الأخلاق يرى أن القواعد الأخلاقية في الحقيقة ليس لها أساس موضوعي "معياري" يمكن التحاكم إليه وإلزام الآخرين به، إنما هي تعتمد على العواطف، التي بدورها متقلبة ويسهل التأثير الخطابي والشاعري عليها لتوجيهها!.

وهذه العواطف قد تكون متضاربة ومتناقضة ومنحازة، الإسلام يرى أن الإنسان منظومة من العواطف والعقل المستنير بالنقل، وأن الكمال هو موافقة العاطفة لقوانين الشرع ونظامه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)

فلو كان النقاش الأخلاقي يمكن البت فيه فعلًا بقول القائل "أحس" و"حاسس" أن كذا هو الأخلاقي، وحاسس أن الحكم الفلاني فيه قسوة، الخ، لكان هذا المسمار الأخير في نعش القواعد الأخلاقية الملزمة.

لأن العواطف البشرية مختلفة وذاتية ومتقلبة وغير موضوعية ويمكن التأثير عليها بالخطاب الإعلامي وبروباجاندا، ونسبية بين الأفراد فالحكم ضد عدوي لن أراه قاسيًا بينما ضد صديقي سأراه قاسيّا وسيدخل عامل الجمال هنا ونراه كثيرًا عند المراهقين والمراهقات حيث يتطلبون تخفيف الحكم على الشخص الجميل ولا يكترثون بالشخص القبيح!

هذا والله أعلم

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق