المسلمات القبلية غير القابلة للتجربة في العلم التجريبي


 قال فيلسوف العلوم إيرنان ماكمولن:

"تزايد الاهتمام في السنوات الأخيرة بالدور الفعال الذي يلعبه ما يقال له (المبدأ واسع المجال Principle) في العلوم الطبيعية، وبخاصة في الفيزياء. تلك المبادئ تخدم بتوجيه المطالب البحثية Inquiry، بالإشارة إلى الجهات التي يرجى العثور فيها على نظريات ناجحة إجمالا. وهي كذلك، وعلى عبارة طولمين الموفقة، مبادئ للنظام الطبيعي natural order تحدد بطريق بالغ العموم، الحالة التي عليها العالم، وما أنواع النظام التي نتوقع أن نجدها فيه. نجدها أم نفرضها فرضا؟ في كتابه "الأسس الميتافيزيقية للعلم الطبيعي"، أعطى كانط عبارة تذكارية عن واحد من الأجوبة لذلك السؤال الذي لم تزل الفلاسفة تتنازعه إلى اليوم. فإن تلك السلطة العجيبة التي تعطى لأمثال تلك المبادئ، وموقفها الصارم في مواجهة ما قد يطرأ من شذوذات تخالفها، تفضي أحيانا إلى تسميتها بالمبادئ الفلسفية أو الميتافيزيقية. وفي الحقيقة فإن مستندها المعرفي لا يبدو أنه مجرد الاستقراء. وإنما يستند فيها، على الأقل ولو جزئيا، للحدس، أي أنها تقوم على فرض كونها صحيحة بنفسها Self-evident. فعلى غرار مبادئ العلم الأرسطية Principles of Aristotelian Science، فإن المتوقع من المرء أن يرى ضرورة صحتها بمجرد أن يفهمها، وأن يحكم بأن انخرامها غير مقبول مبدئيا." انتهى كلامه

Indifference principle and anthropic principle in cosmology. Ernan McMullin.

قلت: فكما ترى يقر إيرنان مكمولن Ernan McMullin في هذا البحث العلمي أن العلم يقوم على مسلمات ليس لها منشئ استقرائي حسي محض، بل هي من قبيل المسلمات، إلا أنه يزعم على غرار الواقعيين أنها صحيحة بذاتها عقليّا مثل البديهيات، وهذا باطل، فليس كل المسلمات التي تقوم عليها مجالات العلم الطبيعي اليوم كذلك، فمثلًا علم الكوزمولوجيا (الكونيات) يقوم على مبادئ مثل الاطراد الزماني والمكاني ( المطلق للنظام الطبيعي بما يمثله من قوانين عليا) ما يسمى: uniformity، homogeneity، isotropic والانغلاق السببي الطبيعي، والوضاعة الكونية وانعدام الغائية وراء الحوادث الطبيعية، وغيرها من المسلمات الأدق، وهي ليست هي حدسية أو فطرية بل الفطرة تقتضي خلافها بالضرورة.

لكن هذا يبين لك أن مسألة المسلمات الدهرية التي ليس لها أساس استقرائي مسألة موجودة ومتعارف عليها وعليها نزاع حول كيفية تسويغها وفق نظريات المعرفة المختلفة وما يتفرع عنها في مذاهب في فلسفة العلوم، والعجيب أن كثير من المنظرين والمؤلفين المسلمين العلمويين حتى من المدافعين عن الإسلام منهم يستغربون إذا أخبرناهم بذلك أشد الاستغراب وهذا دليل على أجنبيتهم عن الجذور الفلسفية لما يدرسونه، وهذا تقصير عظيم منهم والله المستعان.

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق