وهذا فصل مهم جدا ، فإن النسبة إلى أهل الحديث والأثر لیست نسبة تشريفية فقط، وليست فقط الكلام في بعض القضايا العلمية، بل إن أهل الحديث متقيدون بآداب النبوة، هدياً وسمتاً وخلقاً، عاملون بما تعلمو ، حريصون على ذل ، فمن انتسب إليهم فوافقهم في قولهم في الأسماء والصفات، أو وافقهم بعدم الخروج على الحاكم المسلم، أو وافقهم بإحدى هذه الجزئيات، ثم خالفهم بأصول أخرى كثيرة فهذا عنده خلل، ولهذا أجد أن مثل هذا الفصل مما يجدر بنا العناية به، والتركيز عليه في مثل هذه الأزمنة التي كثر فيها المدّعون، وقل فيها العاملون .
قال شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني رحمه الله:
● يتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام.
● وبصلة الأرحام.
● وإفشاء السلام.
● وإطعام الطعام.
● والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام.
● والاهتمام بأمور المسلمين.
● والتعفف في المأكل والمشرب والملبس والمنكح.
● والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر.
● والبدار إلى فعل الخيرات أجمع.
● واتقاء سوء عاقبة الطمع.
● ويتواصون بالحق والبر.
● ويتحابون في الدين ويتباغضون فيه.
● ويتقون الجدال في الله ، والخصومات فيه.
● ويعادون أهل البدع والضلالات.
● ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات.
● ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين.
● ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه.
- ولا يحبونهم.
- ولا يصحبونهم.
- ولا يسمعون كلامهم.
"خلافا لمن يزعم أنه يأخذ منهم ما ينفع ويترك ما أخطأوا به. وهل انتشرت الشبهات، وتشعبت المذاهب الباطلة إلا بهذا ؟ ! على أنه قد يقال لنا : « فماذا لو قال خصومكم ككلامكم ، فمنعوا الناس من سماعكم ؟ » فنقول : فلا يسمعونا ، ولكن ليقرأوا كلام الأئمة الذين اتفقت الأمة عليهم ، وليأخذوا بكلامهم دون تحريف له ، فإن فعلوا ؛ فقد وافقوا الحق ، ووافقونا وإن لم يسمعوا منا ، ولا يضرنا عدم سماعهم ، وكذلك لا يضرنا إن أحبونا أو سبونا ."
- ولا يسمعون كلامهم.
- ولا يجالسونهم.
- ولا يجادلونهم في الدين.
- ولا يناظرونهم.
النهي عن جدالهم ومناظرتهم صحيح، وله أسباب : منها: أنه لا يليق بصاحب السنة أن يجعل الأصاغر نظراء له.
ومنها : أن أهل الأهواء لا يناظرون رغبة بالحق، وأهل الحق ليسوا بشاكين بما عندهم، فلماذا تكون المناظرة!
ومنها : أن المناظرة في الغالب يكون المنتصر فيها هو الأقدر على الجدل والمراوغة في الكلام وإن كان على باطل. ومنها : تعويد الناس على عدم قبول الحق إلا من خلال المناظرة، وهذا ملموس وواقع في زماننا ، فما رددنا شبهة ، أو صححنا خطأ ، أو بيَّنا حتى ضعف حديث قاله أحد؛ إلا قال لنا بعض الجهلة: « ناظر من يخالفك لنعرف من منكما على الحق»
ومنها : أن صاحب الحق قد لا يحضره الرد، أو لا يحضره الدليل في مجلس المناظرة فيهزم فيها في الظاهر مع أنه على الحق. ومنها : أنها سبيل لإدخال الشبه والشكوك على من لم يسمعها من قبل. ومنها : ما يجعل من شروط تسيء إلى أصول الدين، كمن يناظر الزنادقة الكفرة الذين ينكرون سنة النبي فيشترطون عليه أن لا يحتج بحديث أو من يناظر أهل الضلال من المتكلمين فيشترطون عليه بأن لا يحتج عليهم بأحاديث الآحاد، فقبول مثل هذه الشروط يزرع في نفس السامع تطلب عدم الاحتجاج بهذه الأحاديث، فالإقرار بتلك الشروط في المناظرة هو ترویج لهذا الإقرار خارج المناظرة، وهذا شر كبير ، وفي الواقع : إن مثل هذه الشروط هي شروط متعارف عليها في علم الجدل، وهي عدم الاحتجاج بدلیل مختلف عليه ، فإن كان مثل هذا وكان لابد من المناظرة فإنها تكون في هذه الأصول لا في الفروع، فإن ناظر فلا يناظر زندیقا ينكر السنة في مسألة من مسائل العبادات أو المعاملات ، وإنما في الأصل الكبير وهو قضية السنة التي أنكرها .
إلا أن ذلك النهي عن المناظرة ليس على إطلاقه ، فقد قال تعالى ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي احسن) فأباح المجادلة بالحسنی ، و قد حاج إبراهيم النمرود ، وناظر ابن عباس الخوارج ، وناظر الشافعي بعض المعتزلة ، ولما أمر السلطان أحمد ابن حنبل وعبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي أن يناظرا المعتزلة ؛ ناظراهم ، ولو كانت معصية محضة لما أطاعا السلطان في معصية الله ، ومناظرة عبد العزيز بن يحيى مع المريسي مسجلة في كتاب يعد بنظري من أنفع الكتب في مسألة الرد على القائلين بخلق القرآن .
● ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان ؛ وقرت في القلوب، ضرت وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت .
وفيه أنزل الله عز وجل قوله : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره)
| كتاب عقيدة السلف وأهل الحديث، لشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني، ص١٦٢.
#غيث