في التحسين والتقبيح:
يقول قائل، إن الرب حرم على الناس "الفواحش" التي هي "فواحش" بشكل اعتباطي تمامًا ولا تحمل أي معنى ذاتي يدركه العقل كصفة تتحقق في نفس الفعل يقال انها "قبيحة أو فاحشة" أو حسنة أو كمال للمتصف بها وتستحق المدح، فحرمها فقط لأن فيها مفسدة للبشر تؤدي إلى فساد لهم.
حقيقة لا أدري هل الفساد والألم صار يحمل قبحًا ذاتيّا في نفسه حتى يتعلل له فعل الإله؟
أليس الرب قال : "يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" هو نفسه القائل " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا "
فإن كنا نحن لا نظلم لأن هذا "ليس من مصلحتنا" وهو بالحقيقة في نفسه قد يكون من مصحلتنا لولا اعتبار اليوم الآخر الذي "لا يراعي مصالحنا" على هذه الحالة إنما هو "متطرف في تحريم كل أشكال الظلم"
ولكن بأي شيء تعلل فعل الإله إذًا!، إذا كنتم لا تثبتون حكمة تتعلق بتحقيق معنى حسن في ذاته، كمراعاة مصالح الناس ورحمتهم ووضع الشيء موضعه الحسن الصحيح!، هل أيضًا تعللونها بالمنفعة والمضرة؟!
إذا فالمسألة فيها خلط شديد، مسألة الحسن والقبح عند المسلمين كسؤال أثارته بعض الفرق البدعية هو ليس مطابق لمشكلات الفلسفة الأخلاقية الغربية، نعم هو يشترك معها في بعض المباحث.
الفلسفة الأخلاقية الغربية هي عملية أكثر، بينما الإسلامية "التحسين والتقبيح" هي نظرية أكثر، فهي تميل لسؤال، هل هناك قيمة جوهرية للفعل في نفسه مع النظر في العواقب عند القائلين به؟
وإن كان نعم فهل هذا يتعلق بصفات الرب؟ حيث أنه ينزه عن القبائح الذاتية مثلًا؟
هذا السؤال غير موجود بشكل جوهري كسؤال أساسي في الفلسفة الأخلاقية الغربية، فليس هذا بحثهم، إنما بحثهم مائل أكثر للتشريع الاجتماعي وعلاقته بالفرد، أما مبحثنا فهو مبحث له علاقة في مبحث الأسماء والصفات والأفعال الإلهية
فقائل هذا القول يخلط بين مبحث الملائمة والمنافرة ومبحث الكمال والنقص، وحقيقة نفي الثاني شنيع وله لوازم عقدية شنيعة وهو نفس قول الأشاعرة، استغربت أنني سمعته من بعض (السلفيين).
ومن الجيد أثناء بحثك في المسألة أن تفرق بين معنى الصفة الفعلية أو الذاتية في نفسه هل يحقق قيمة حسن أو قبح في العقل الضروري، وبين فعل الإنسان الضعيف لأكثر خير ممكن بالنظر في قيمة الفعل ومقارنته مع العواقب ثم الحكم الفقهي الشرعي في هذا وبين أفعال وصفات الرب نفسه سبحانه!.
حدثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أن ابن جريج، أخبرهم قال يعلى: إن سعيد بن جبير أخبره، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناسا، من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم [ص:126] فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون} [الفرقان: 68] ونزلت {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر: 53]
والشرع مليئ بتقرير الحسن والقبح الذاتي في الأفعال كالشرك والجحود والكفر وبطر الحق وغمط الناس، وقد حبب الله الناس بهذه المعاني أو كرههم ببعضها فطرة فربط بعضها بلذة أو منافرة روحية نابعة عن إدراك معنى الفعل نفسه وليس لذة أو نفرة اعتباطية ذوقية محضة خالية من القيمة الإدراكية المعرفية!، فهذا الجمع بين الفطرة الروحية العقلية وبين الفطرة الجسدية، وكذلك لحكمته أنه جعل مصلحة العالم في المعاني الحسنة ومفسدته في المعاني السيئة ولكنه جعل ذلك يخفى في بعض المواضع على بعض المفتونين لغاية الاختبار
(حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)
فالقول بالحسن والقبح الذاتي لا يمكن نسبه هكذا باطلاق للمعتزلة، فالكثير من الطوائف تقول به من ضمنهم أهل السنة، لكن تفاصيل القول تختلف، بالذات في مسألة شرعية الثواب والعقاب ومناط الحجة، ومسألة النظر في العواقب واعتبارها من عدمه.
فليست المسألة داخل إطار أهل السنة فقط قولين أبيض وأسود "المعتزلة (كانط)، الأشاعرة (بنثام).
بل هي تتعدى ذلك لنتائج عقدية أكبر.
لم أرد التفصيل في هذا المقال، إنما هو إلماح وفضفضة لعلي أزيدها في محاضرة صوتية لاحقًا.
#الغيث_الشامي