قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة:
"فأما توحيد الفلاسفة فهو إنكار ماهية الرب الزائدة على وجوده وإنكار صفات كماله وأنه لا سمع له ولا بصر ولا قدرة ولا حياة ولا إرادة ولا كلام ولا وجه ولا يدين وليس فيه معنيان متميز أحدهما عن الآخر البتة قالوا لأنه لو كان كذلك لكان مركبا وكان جسما مؤلفا ولم يكن واحدا من كل وجه فجعلوه من جنس الجوهر الفرد الذي لا يحس ولا يرى ولا يتميز منه جانب عن جانب بل الجوهر الفرد يمكن وجوده.
وهذا الواحد الذي جعلوه حقيقة رب العالمين يستحيل وجوده"
الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (3/ 930)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب بيان تلبيس الجهمية:
"الأجسام المخلوقة لها أبعاض وصفات فيجوز أن الله يفرق بين أبعاضها ويجوز أن يزيل صفاتها عنها كما يجوز أن يعدمها والله سبحانه وتعالى لا يجوز عليه العدم ولا يجوز أن تفارقه صفاته الذاتية فبتقدير أن يكون على العرش وهو عظيم يتميز منه جانب عن جانب يكون ما هو داخل في مسمى اسمه من الأمور اللازمة التي لا يجوز أن تفارق ذاته"
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (4/ 147)
وقال في مجموع الفتاوى:
كيف يمكن أن يكون شيء لا يتميز منه جانب عن جانب وأكثر العقلاء من طوائف المسلمين وغيرهم ينكرون الجوهر الفرد
مجموع الفتاوى (17/ 322)
------------
فنحن نحتج على السلفية الفلسفية أشباه المفوضة بأن كلام الأئمة هذا يدل على أن الله موجود حقيقي يمتاز فيه جانب عن جانب وشيء عن شيء لا كما ادعيتم، والامتياز هذا نسميه "بُعد" أي يبتعد فيه جانب عن جانب، وكلمة جانب لا تنفك عن كلمة جهة فكل جانب في جهة من الآخر وبينهما الذات التي هم جوانب لها وهي ممتدة في كل الجهات لكونها كبيرة ولا يجوز رفع النقيضين عن الأشياء أصلا (أي لا توصف بأنها كبيرة أو صغيرة أو أكبر من كذا أو اصغر من كذا أو تساوي كذا) وإلا صار وجودها ممتنع، وأنتم قلتم كما قال المتكلمين بوجود جوهر فرد لا أبعاد له أي لا يمتاز فيه جانب عن جانب ولا يمتد في الجهات ولا مكان له.
فهذا لازم قولكم وهو لازم كفري، إذ هكذا انتم تنفون المكان ويلزم منه نفي العلو، ونحن قوم منصفين لا نكفر باللازم، ولكن نفترض فيكم أنكم قوم عقلاء إذا فهمتم رجعتم فافهموا.
وقد اصطلح النظار أن يستخدموا كلمة أبعاد للكلام عن شيء يمتاز فيه جانب عن جانب ويمتد في الجهات، وسماه بعضهم جسم أي القائم بنفسه المشار إليه، وهم يعنون دراسة العلاقات المعنوية بين لفظ جهات وجوانب ومكان وما إلى ذلك، وهذه المعاني يقوم عليها علم الهندسة في دراسة الموجودات الواقع عليها حسنا هنا في هذا العالم المشهود، ومعلوم ان العالم المغيب عن حسنا لا يفترق عن عالما من كل وجه بل هناك قدر مشترك وهو علمنا بأنه يشترك معه بمعنى الوجود في الزمان والمكان، فإذا علم بالعقل التلازم بين معنى المكان وبين الجهة والكبير والصغير والامتداد المكاني والجوانب في الشيء نفسه بطل قولكم أننا شبهنا الشاهد بالغائب بالقياس التمثيلي أو قياس الشمول المبني على استقراء العادة.
وليس لكم أن تقولوا ان الألفاظ لم يخبر الشارع عنها، فقد علم أن ما نقوله نزعم أنه تفسير لما قاله الشارع، وقد فسر الصحابة والتابعين الصفات بمعاني وردت بالشرع ولم يرد لفظها إلا بمرادف، كورود لفظ الاستواء وأنه يفسر بعلا وارتفع، وهذه تقبلونها ولا تطالبوننا بمكان وردت فيه بالشرع على أنها وردت في الأحاديث، ولكن صنعة المفسرين بأن يفسروا اللفظ الشرعي بحسب معناه بمرادفات لفظية تعطي نفس المعنى حتى يصل معناها للقارئ بأي لفظة تكون قريبة لذهنه، وكما فعل السلف في صفة العلو فقربوها للأفهام بأكثر من معنى فقالوا: فوق العرش بذاته، فوق عرشه دون أرضه، فوق العرش بحد، فوق العرش بائن عن خلقه، فوق العرش محتجب عن خلقه بحجاب فاصل بينه وبين خلقه.
ونقيد إيراد بعض الألفاظ كالحد والامتداد المكاني والأبعاد وغيرها في سبيل الرد على الخصوم أثناء المناظرة في حال كابر على تضمنها داخل الألفاظ الشرعية ككلمة كبير وفي العلو فوق عرشه.
وهكذا ليس لكم علينا حجة إلا بأن تكونوا لا سلف لكم إلا بعض المتأخرين ممن دخلت عليهم شبه الجهمية.
#الغيث_الشامي